مسوغات الابتداء بالنكرة:
************************
الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، ولكن هناك مسوغات كثيرة للابتداء بالنكرة منها:
1ـ أن تدلّ النكرة على مدح، أوذم، أوتهويل؛ فالمدح مثل: بطلٌ فى المعركة، "خطيب على المنبر"، واذم مثل: "جبانٌ مُدْبرٌ"، "جاسوسٌ مقبل"، والتهويل مثل: "جحيم فى الموقعة"،"عذاب في الطريق".
2- أن تدل على تنويع وتقسيم؛ مثل رأيت الأزهار، فبعضٌ أبيضُ، وبعض أحمرُ، وبعضٌ أصفرُ ... عرفت فصل الخريف متقلبًا؛ فيومٌ بارد، ويومٌ حارّ، ويومٌ معتدل.
3- أن تدل على عموم؛ نحو: كلٌّ محاسَبٌ على عمله. وكلٌّ مسئول عما يصدر منه؛ ويرى البعض أنَّ النكرة هنا ليست دالّة على العموم وإنَّما هي مخصوصة بالإضافة المعنوية، أي: كل إنسانٍ، وتخصيص النكرة بالإضافة في هذه الحالة هو السبب للابتداء بها وليس دلالتها على العموم، ونحو: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، (من) شرطية. وهي تفيد العموم، كباقي أدوات الشرط، وكأسماء الاستفهام التي تقع مبتدأ، مثل: أي جاء؟ -- من هنا؟ ومثل هذاالشرط والاستفهام يدل على العموم بنفسه مباشرة، لا بكلمة أخرى سبقته.
4- أن تكون مسبوقة باستفهام، أونفي؛ وتدل على عموم في هذا السياق مثل: وهلْ داءٌ أمَرُّ من التَّنائِى....، هَل مِثَالِيَّةٌ وُجِدَت مِن قَبلِ؟، ومثل: ما عملٌ بضائعٍ، ولا سعىٌ بمغمور. فمن مُنكرٌ هذا؟ (من): مبتدأ نكرة ولكنه اسم استفهام، فلا يحتاج لمسوغ آخر. ولا مانع أن تكون أداة النفي في هذا الباب ناسخة، فيصير المبتدأ النكرة اسما لها، ولهذا يصح اعتبار "ما" و "لا" اللتين في المثال عاملتين.
5- أن تكون النكرة متأخرة، وقبلها خبرها؛ بشرط أن يكون مختصًّا؛ سواء أكان ظرفًا، أم جارًّا مع مجروره أم جملة؛ مثل: عند العزيز إباءٌ، وفي الحُرِّ تَرفعٌ. ومثل: نَفَعك برهُ والدٌ، وصانك حنانُها أمٌّ.
6- أن تكون مخصّصَة بنعت، أوبإضافة، أوغيرهما مما يفيد التخصيص؛ ومن امثلة تخصيص النكرة بالنعت: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من سهر، { والنعت قد يكون ملفوظا به نحو: زائر كريم أمامنا، وقد يكون معنويا، بألا يقدر في الكلام، وإنما يستفاد من نفس النكرة بقرينة لفظية، نحو: وليد نابغ، لأن التصغير في كلمة "وليد" يقوم مقام النعت، إذ معنى التصغير: ولد صغير. ومثله صيغ التعجب، نحو: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا، لأنه بمنزلة شيء عظيم حسن الدين والدنيا. لهذا كان "التعجب" من المسوغات}؛ أو تكون النكرة مخصصة بالإضافة مثل: يقظةُ البكور أنفعُ من نوم الضحا، وقول العرب: أحسن الولاة من سعدت به رعيته، وأشقاهم من شقيت به، وشر البلاد بلاد لا عدل فيها، ولا أمان.
7- أن تكون دعاء؛ نحو: سلامٌ على الخائف - شفاءٌ للمريض - عونٌ للبائس؛ رحمة لك، بشرط أن يكون القصد من النكرة فى كل جملة هوالدعاء. ومثل: ويلٌ للظالمين، في: ويلٌ {يصح أن يكون المسوغ للابتداء به هو: التهويل أو التعميم}.
8- أن تكون جوابًا؛ مثل: ما الذى فى الحقيبة؟ فتُجيب: كتاب فى الحقيبة.
9- أن تكون فى أول جملة الحال، سواء سبقتها واوالحال، مثل: قطع الصحراء، ودليلٌ يَهدينى، وركبت البحر ليلا وإبرةٌ ترشد الملاحين. أمْ لم تسبقها؛ نحوكلُّ يوم أذهب للتعلم، كتبٌ فى يدى.
10- أن تقع بعد الفاء الداخلة على جواب الشرط؛ وهى التى تسمى: فاء الجزاء؛ مثل: مطالبُ الحياة كثيرة؛ إن تَيَسَّر بعضٌ فبعضٌ لا يتيسّر، والآمال لا تنفد؛ إن تحقق واحدٌ فواحدٌ يتجدد.
11- أن يدخل عليها ناسخ - أىّ ناسخ - وفى هذه الحالة لا تكون مبتدأ، وإنما تصير اسمًا للناسخ، ومن ثَمَّ يصحّ فى أسماء النواسخ أن تكون فى أصلها معارف أونكرات - كقولهم: كان إحسانٌ رعايةَ الضعيف، وإنّ عيبًا أن تذكروا الغائب.
12- أن تكون النكرة عاملة؛ سواء أكانت مصدرًا؛ نحو: إطعامٌ مسكينًا طاعة، أمْ وصفًا عاملا، نحو: متقنٌ عمله يشتهر اسمهُ. ومن العمل أن تكون مضافة؛ لأن المضاف يعمل الجر في المضاف إليه؛ مثل: كلمة خير تأسِر النفس.
13ـ إذا كانت النكرة مُبهمة يصحُّ الابتداء بها، كأن تكونَ اسمًا من أسماء الشرط أو من أسماء الاستفهام. مثل: «مَنْ يَصدِقُ فِي قَولِهِ يَصدِقُ فِي عَمَلِهِ» أو «مَنْ أَنت؟». وذلك لأنَّ أسماء الشرط والاستفهام أسماء مُنَكَّرة ولا تُعَرَّف على الإطلاق. وتقع «مَا» التعجبية في محل رفع مبتدأ لنفس السبب أيضًا، مثل: «مَا أَجمل كلامكَ».ونحو؛ من يعملْ خيرًا يجدْ خيرًا.
14- أن يكون فيها معنى التعجب؛ نحو: ما أبرع جنود المِظلات. ونحو:: عَجَبٌ لرَجُلٍ يُحِبُّ الكَذِبَ.
15- أن تكون محصورة؛ نحو: إنما رجلٌ مسافرٌ.
16- أن تكون فى معنى المحصور - بشرط وجود قرينة تُهَيِّئ لذلك - نحو: حادث دعاك للسفر المفاجئ، أى: ما دعاك للسفر المفاجئ إلا حادث. ويصح فى هذا المثال أن يكون من قسم النكرة الموصوفة بصفة غير ملحوظة، ولا مذكورة.... أى: حادث خطير دعاك إلى السفر.
17- أن تكون معطوفة على معرفة؛ نحو: محمود وخادم مسافران. هذه ليست مبتدأ، ولكنها معطوفة على المبتدأ فهي بمنزلته.
18- أن تكون معطوفة على موصوف، نحو: ضيف كريم وصديق حاضران.
19- أن يكون معطوفًا عليها موصوف، نحو: رجل وسيارة جميلة أمام البيت.
20- أن تكون مبهمة قصدًا، لغرض يريده المتكلم؛ نحو: زائرة عندنا.
21- أن تكون بعد لولا؛ نحو: لولا صبرٌ وإيمانٌ لقتل الحزين نفسه.
22- أن تكون مسبوقة بلام الابتداء؛ نحو: لرجل نافع. ونحو: لصديق خيرٌ من عدو.
23- أن تكون مسبوقة بكلمة: "كَمْ" الخبرية؛ نحو: كم صديقٌ زرته فى العطلة فأفادنى كثيرًا. أصل الكلام هنا، صديق زرته كم زورة!. فكم: مفعول مطلق واجب الصدارة، مبني على السكون في محل نصب، و "صديق" مبتدأ. ومثلها: كم محاضرات حضرتها ولم أستفد منها كثيرًا!.
24- أن تكون مسبوقة بإذا الفجائية؛ نحو: غادرت البيت فإذا مطر. ونحو: خرجت فإذا رجل يكلمني.
25- أن يكون مرادًا بها حقيقة الشىء وذاته الأصلية، نحو: حديد خير من نحاس.
26ـ إذا جاءت النكرة بعد حرف الجرٍّ الزائد «رُبَّ»، مثل: «رُبَّ عِلمٍ يَنفَعُ». ويرى بعض النحاة أنَّ المبتدأ يكون نكرة إذا سُبق بأي حرف جر زائد، وليس «رُبَّ» بالتحديد، مثل: «بِحَسبِكَ كُرمُ أَحمَدِ».
27ـ إذا كانت النكرة مُبهمة يصحُّ الابتداء بها، كأن تكونَ اسمًا من أسماء الشرط أو من أسماء الاستفهام. مثل: «مَنْ يَصدِقُ فِي قَولِهِ يَصدِقُ فِي عَمَلِهِ» أو «مَنْ أَنتَ؟». وذلك لأنَّ أسماء الشرط والاستفهام أسماء مُنَكَّرة ولا تُعَرَّف على الإطلاق. وتقع «مَا» التعجبية اسم نكرة بمعنى شىء في محل رفع مبتدأ لنفس السبب أيضًا، مثل: «مَا أَجمَلَ كَلَامَكَ».
فإذا أفادت النكرة جاز الابتداء بها ولا يجوز الابتداء بها ما لم تفد.
بقيت نكرات أخرى قد تعرب مبتدأ، مع أنها لا تدخل تحت مسوغ مما ذكروه؛ نحو: "مذ" و"منذ" فهما نكرتان فى اللفظ؛ فى نحو: ما رأيته "مذ" أو"منذ" يومان، وإن كان بعض النحاة يعتبرهما معرفتين معنى؛ إذ المعنى: أمد انقطاع الرؤية يومان مثلا.
تأخر وتقدم الخبر جوازًا فهوالأصل الغالب؛